دقت ساعة 'الانضباط' تهاني تركي بوابة الأسبوع

شعرت بارتياح كنت افتقده طيلة شهور بعيدة، عندما نزلت وبعضا من زملائي إلي إحدي محطات مترو الانفاق بوسط القاهرة ، ووجدت هدوءا غريبا علي ذلك المكان الذي طالما عانينا من أصوات الباعة الجائلين بداخله، وعندما أبديت اندهاشي بادرني أحد الزملاء بأن حملة كبيرة قامت بها قوات الأمن منذ أيام لإعادة محطات المترو إلي سابق عهدها، بعد أن كانت قد تحولت إلي ما يشبه السوق المفتوح في ظل غيبة تامة لأفراد شرطة مترو الانفاق. مترو الانفاق وسيلة حضارية وسريعة يستخدمها مايقرب من ثلاثة ملايين مواطن مصري يوميا، ولكنها كباقي المرافق الحيوية التي غاب عنها الانضباط، فانتشر البلطجية بين ممراته يسرحون ويمرحون يمارسون كل الموبقات جهارا نهارا، لدرجة أن زميلة شابة كادت تختطف قبل عام ونصف في وضح النهار، بعد تهديدها بالسلاح الابيض وضربها في احدي المحطات الشهيرة بوسط العاصمة. غياب الانضباط لم يقتصر فقط علي المحطات، ولكنه امتد أيضا إلي داخل العربات التي ما أن يدخل القطار إلي المحطة الا ويندفع الباعة الجائلون إلي داخل العربات دفعة واحدة، وتتعالي صيحاتهم في آن واحد للاعلان عن بضائعهم، من ملابس واكسسوارات وادوات مطبخ وخلافه، وتبًا لحظه العاثر مَن تملكته الشجاعة من الركاب وإعترض علي تواجدهم، فلن يجني سوي الاهانة وربما التعدي في كل الاحوال. 'إحنا شعب شوفنا بهدلة كتير وربنا يعوضنا خير'قالتها بدهشة، إحدي السيدات عندما همت باستقلال احدي عربات الخط الجديد من مترو الانفاق فإذا بها نظيفة ومضاءة ومكيفة، تخلو من الباعة الجائلين، فالمواطن المصري، لايحتاج مما ييسر عليه وسائل معيشته إلا القليل، فهو قانع 'ويرضي بقليله' بحسب أمثالنا الشعبية. مترو الانفاق تسرسب الانضباط إلي ردهاته وعرباته، ولكننا نطمح أن يعود هذا المرفق الحيوي لسابق عهده وصرامة قوانينه وغراماته مثلما كان في بواكير نشأته في منتصف ثمانينيات القرن الفائت. لم تكن مشاهد الانضباط قاصرة علي مكان بعينه، فخلال الاسبوع الماضي كانت الاحاديث تدور حول الدوريات الامنية المكثفة علي الطرق والمحاور الرئيسية بالقاهرة الكبري، والتي شاهدها كل من سار بطريق عمله ايا كان موقع سكنه، حيث انتشرت لجان فحص رخص القيادة والمركبات علي امتداد الشوارع الرئيسية. ولعل تغليظ عقوبات المخالفات المرورية من خلال قانون المرور الجديد، ستعمل هي الاخري لعودة الانضباط للشارع الذي طالما عاني مخالفات تصل لدرجة الجرائم في حق أبرياء، حتي أن حوادث الطرق في مصر تجاوزت أعلي المعدلات عالميا. السير في الاتجاه المعاكس، وتجاوز السرعات المقررة، وسير المقطورات وعربات النقل في كل الاوقات، ومزاحمة التوكتوك والميكروباص للسيارات علي الطرق الصحراوية والدائري، كلها تجاوزات طالما عاني قائدو السيارات من رعونتها، وطالما أزهقت أرواح وسالت دماء بسببها. حكومة السابعة صباحا مطلوب منها الكثير والكثير، مطلوب منها تعويض المواطن عن سنوات الانفلات التي عاني ويلاتها، ومكافأته علي صبره وبأسه في تجاوز الشدائد والازمات، مطلوب منها أن تعيد للمواطن قليلا من حقوقه التي كفلها له الدستور في التعليم والصحة والأمن والحياة الكريمة، وحسنا فعل المهندس ابراهيم محلب عندما فاجأ مستشفي قصر العيني بزيارته التي كشفت عن أوجه القصور والاهمال في أكبر صرح تعليمي وطبي علي مستوي الوطن العربي، كنا ذات يوم نباهي به الأمم. القطاع الصحي يعاني قصورا وإهمالا منقطع النظير، ولكل منا حكاية يرويها دارت أحداثها في محيطة الضيق سواء له أو لاحد أقاربه أو زملائه، فالمريض اما أن يقع فريسة للمستشفيات الخاصة، أو ضحية لإهمال المستشفيات الحكومية، وغير ذلك لامحالة، إلا من رحم ربي، وأسدل ستره علي عباده. أما قطاع التعليم فحدث ولاحرج عن استنزاف الدروس الخصوصية لمعظم ميزانية الاسرة المصرية اثناء فترة الامتحانات، خاصة في الشهادات، ولنا فيما نسمعه من أولياء أمور طلاب الثانوية العامة هذه الايام عظة وعبرة، فولي الأمر من محدودي الدخل عليه أن يشحذ كل إمكاناته استعدادا للشهادة الثانوية، فلا سبيل إلا من طريقين لاثالث لهما، إما أن يضحي بماله، أو يضحي بمستقبل ابنه. المواطن المصري لا يريد الا الحدود الدنيا في كل شيء، هو يريد 'الستر' والشعور بالأمان في قادم الأيام.. فهل هذا كثير عليه؟؟؟