الموضوعات تأتيك من 15528 مصدر

اخبار عاجلة

Tweet

السودان على مفترق الطرق ‬‎

20/01/2019 | 5:25 ص 0 comments

...

عبدالله بن بجاد العتيبي

يشهد السودان حركات احتجاجٍ واسعة تصدرت الأخبار في المنطقة؛ احتجاجاتٌ تنشد الحرية والعدالة والثورة، وتنتهج النهج نفسه الذي جرى سابقاً فيما كان يعرف بـ«الربيع العربي»: جمعاتٌ متتالية، ومظاهرات تخرج من المساجد، ومطالب شعبية مستحقة، ولعبٌ وراء ستارٍ من الخارج، وتحت الأرض من جماعاتٍ منظمةٍ داخليةٍ.

إبّان الربيع الأصولي، قبل نحو ثماني سنواتٍ، كان السودان منخرطاً بالكامل في المشروع الأوبامي – القطري – الإخواني، الساعي لتولية جماعات الإسلام السياسي الحكم في الدول العربية المنتفضة آنذاك، وتفاخر الرئيس بنفسه حينها بأن قوات المعارضة التي دخلت طرابلس الليبية «جزء من تسليحها وإمكانياتها سودانية مائة في المائة»، ومن قبل تحالف النظام السوداني الكامل مع تنظيم القاعدة، وأصل مشروعيته من الأساس هو الانقلاب باسم الإخوان المسلمين والتنظيمات الأصولية.

هذا باختصارٍ شديدٍ جزء من معطيات الماضي، ولكن هل جرت في الساقية مياهٌ أخرى؟ وهل تغيرت الرؤية والسياسة والاستراتيجية هناك؟ هذا سؤالٌ مهمٌ لمحاولة فهم ما يجري في السودان اليوم؛ المؤشرات الآتية من الخرطوم تقول «نعم» و«لا» في الوقت نفسه، ويمكن النظر إلى الجوابين كل على حدة لتقريب الصورة وتسهيل الفهم.

الجواب بـ«نعم» له ما يؤيده من المعطيات. فعلى سبيل المثال، سعت المملكة العربية السعودية إلى تخفيف العقوبات الأميركية على النظام والرئيس في السودان، واستقبلت الرئيس السوداني أكثر من مرة، وكذلك فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة، أقوى حلفاء السعودية في المنطقة، وكذلك فقد أعلن الرئيس انخراط السودان في «التحالف العربي» لدعم الشرعية في اليمن، وأرسل بالفعل آلاف الجنود على الأرض، يشاركون إخوانهم في التحالف لاستعادة اليمن من براثن ميليشيا الحوثي وإيران، هذا أمرٌ.

والأمر الآخر هو إعلان السودان الانضمام لـ«كيان دول البحر الأحمر»، الذي أعلنت عنه السعودية لضم الدول العربية والأفريقية الواقعة على طرفي البحر الأحمر، ويضم السعودية والأردن ومصر والسودان وبقية الدول، وهو انضمام لكيان اقتصادي وسياسي جديد، ما يوحي بتغير مهم يمكن للمتابع أن يرصده بسهولة.

ومن قبل، وفي عام 2014، أعلنت الخرطوم إغلاق المراكز الإيرانية في السودان، وفي هذا انحيازٌ مهمٌ ضد المشروع الإيراني في المنطقة، وضد بسط الهيمنة والنفوذ الإيراني في الدول العربية، ورفضٌ لانتقال نماذج هذا المشروع في لبنان وسوريا والعراق واليمن إلى السودان، وهو قرار يصبُّ في المسار الصحيح.

أما الجواب بلا، فله أيضاً معطياته. فالسودان لم يزل له علاقاتٌ وسياسياتٌ غير واضحة تجاه بعض الصراعات الكبرى التي تجري في المنطقة بشكلٍ كبيرٍ، فهو وإن سعى بجدية إلى الابتعاد عن المشروع الإيراني، فإنه لم يفعل الأمر ذاته بالنسبة للمشروع الأصولي الذي تقوده تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين. وهذا المشروع الخطير والمعادي يمتلك علاقاتٍ طويلةً مع الدولة السودانية، والخروج منه يحتاج إلى قراراتٍ أكثر شجاعة وأنصع وضوحاً، وهو ما لم يجرِ بعد.

ما يثير التساؤل أكثر هو زيارة الرئيس التركي، في ديسمبر (كانون الأول) 2017، لجزيرة سواكن السودانية، ومنح الرئيس السوداني هذه الجزيرة لتركيا لتديرها لفترة زمنية غير محددة؛ هذه الجزيرة تقع في مقابل مدينة جدة السعودية، من الجهة الأخرى للبحر الأحمر، فأي رسالة يمكن فهمها من مثل هذا القرار، مع استحضار أن المشروع التركي يمتلك قاعدة عسكرية في قطر، وأخرى مماثلة في الصومال، فلماذا سواكن؟ ولماذا كان هذا القرار السوداني؟ ولمصلحة من؟

الاختلافات في التوجهات السياسية أمرٌ مفهومٌ وطبيعيٌ، ولكن الخلافات تجاه الصراعات الكبرى في السياسة ليست كذلك، بمعنى أن ثمة اختلافات سياسيةً بين السعودية ومصر، على سبيل المثال، ولكنها اختلافات طبيعية ومفهومة بين الحلفاء، وهي ليست بأي شكلٍ مثل التحالف مع مشروعٍ معادٍ له خططه واستراتيجيته، وهي تبرز في الملفات المهمة في المنطقة كافة. ومن هنا، فثمة شكوكٌ حقيقيةٌ يجب التعامل معها.

وكذلك فإن العلاقات السودانية – القطرية غير واضحة المعالم في هذه المرحلة. فهل انفض سامر التحالف القوي إبان ما كان يعرف بـ«الربيع العربي»؟ وهل نفض السودان يده منه نهائياً، أم لم يزل منخرطاً فيه بشكل أو بآخر؟ وفي النهاية، فإن استراتيجيات الدول شأن سيادي لها، ولكنها ليست كذلك في العلاقات الدولية التي تحميها توجهات كبرى تحدد الصديق من العدو، والمحالف من المخالف.

هناك أسئلة أخرى تحيط بهذا السياق، من أهمها السؤال عن استقرار الدولة السودانية نفسها، وهل يوجد بديلٌ أفضل لاستقرار الدولة السودانية في هذه المرحلة، أم أن بعض التيارات المنظمة هناك، وإن لم تكن الأغلبية، لها علاقات مشبوهة، وتمتلك آيديولوجيات متشددة، وهي منخرطة بشكل كبير في المشروع الأصولي التركي – القطري؟ والجواب عنه مؤثرٌ في أي حساباتٍ سياسيةٍ داخليةٍ أو إقليميةٍ أو دوليةٍ تجاه ما يجري في السودان.

ويبنى على هذا السؤال سؤال آخر، وهو أن ما يجري في السودان اليوم له شبه كبيرٌ بما جرى في الربيع الأصولي 2011 في بعض الجمهوريات العربية، وهو تشابه في النهج: مظاهرات تنطلق بعد صلاة الجمعة من المساجد، وخطبٌ وتجمعاتٌ، وتغطيات إعلامية مكثفة، وشعاراتٌ مدنية، ومطالباتٌ حقوقية، واختفاءٌ مشبوهٌ لجماعات الإسلام السياسي، ويتذكر الجميع العمليات الإرهابية التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، من قتل للأبرياء، وهجومٍ على مراكز الشرطة والأمن، والداعم الأكبر لأولئك كان تركيا وقطر… فهل يمكن القول إننا نشهد مرحلة ثانية تديرها الدول نفسها، ولكن ضد السودان هذه المرة؟

الوقوف مع حقوق الشعب السوداني هو أمرٌ مبدئيٌ؛ يجب أن ينال الشعب كل مطالبه المحقة وكل حقوقه الناقصة، وله الحق الكامل في العدالة والإنصاف، ورفض الفساد والديكتاتورية، وأن يرفض الفساد مهما كان شكله ولونه، وأن يحظى بالحياة الكريمة والمستقبل الأفضل، وهذا السياق إنما يتحدث عن أسئلة لا تمس هذه الحقوق، ولا تنقص من هذه المطالب، بل المقصود هو الفهم في التصور والتوصيف.

تاه السودان طويلاً في صراع الهويات الذي أوصلته إليه عقودٌ من حكم الإسلام السياسي، وتنظيرات وفكر حسن الترابي، وتقلباته الفكرية والسياسية، وفيه تنظيماتٌ سرية اعترف بها الترابي علناً، وهي لم تمت بموته، كما هو معروف عن طبيعة هذه التنظيمات.

أخيراً، فعودة السودان لصفه العربي، وتخليه عن كل المشاريع الأصولية والطائفية، وبناء الدولة المدنية الحديثة، هو المخرج الوحيد لكل أزماته.

الشرق الأوسط

موقع قولي غير مسئول عن المحتوي المعروض، فهو مقدم من موقع اخر (سياسة الخصوصية)
اقرأايضا
17/04/2024 | 7:04 ص

مصر تشارك في مؤتمر باريس الدولي حول دعم السودان مصراوى

مصر تشارك في مؤتمر باريس الدولي حول دعم السودان | مصراوى

مصر تشارك في مؤتمر باريس الدولي حول دعم السودان     مصراوى
17/04/2024 | 7:04 ص

مؤتمر باريس حول السودان ـ تعهد بتقديم مساعدات بملياري يورو – DW – 2024/4/15

في مؤتمر باريس حول السودان، ناشدت ألمانيا المجتمع الدولي تقديم دعم عاجل للسودان في ضوء الوضع الإنساني الكارثي بسبب الحرب. وتعهّد المجتمعون تقديم مساعدات إنسانية تزيد على مليارَي يورو لدعم المدنيين في هذا البلد الأفريقي.

مؤتمر باريس حول السودان ـ تعهد بتقديم مساعدات بملياري يورو  – DW – 2024/4/15
17/04/2024 | 7:04 ص

مقتل 25 مدنياً في دارفور في اشتباكات بين الجيش والدعم السريع سكاي نيوز عربية

أفادت منظمة حقوقية سودانية بأنّ 25 مدنياً قُتلوا في اشتباكات مسلّحة اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور التي لجأ إليها الكثير من النازحين بعدما ظلّت لفترة طويلة بمنأى من الحرب الدائرة بين الطرفين منذ عام.

مقتل 25 مدنياً في دارفور في اشتباكات بين الجيش والدعم السريع   سكاي نيوز عربية
17/04/2024 | 7:04 ص

الصراع في السودان يعطل الدراسة ويحول مؤسسات التعليم إلى مراكز لإيواء النازحين - بوابة الشروق

الصراع في السودان يعطل الدراسة ويحول مؤسسات التعليم إلى مراكز لإيواء النازحين

الصراع في السودان يعطل الدراسة ويحول مؤسسات التعليم إلى مراكز لإيواء النازحين - 
        بوابة الشروق
27/03/2024 | 5:40 م

حرب استنزاف.. واشنطن تأمل استئناف مفاوضات السودان بعد رمضان التلفزيون العربي

اعتبر المبعوث الأميركي أن "حرب الاستنزاف" في السودان "لا تمثل كارثة للمدنيين فحسب، بل يمكنها بسهولة أن تثير انقسامات أكثر وتصبح حربًا إقليمية".

حرب استنزاف.. واشنطن تأمل استئناف مفاوضات السودان بعد رمضان   التلفزيون العربي
27/03/2024 | 5:40 م

أميركا تتعهد بتقديم 47 مليون دولار لدعم السودان ودول مجاورة

تعهدت الولايات المتحدة، اليوم (الأربعاء)، بتقديم مساعدات إنسانية جديدة بنحو 47 مليون دولار للاستجابة لحالات الطوارئ في السودان ودول مجاورة.

أميركا تتعهد بتقديم 47 مليون دولار لدعم السودان ودول مجاورة
27/03/2024 | 5:40 م

السودان الآن- كيف يواجه السودانيون خطر المجاعة في شهر رمضان؟ – DW – 2024/3/27

انتصف شهر رمضان وسط تحذيرات الأمم المتحدة من شبح المجاعة في السودان. فكيف هي أحوال السودانيين في أول رمضان يعيشونه وسط الحرب؟ وكيف توفر المبادرات المجتمعية الطعام للمحتاجين؟ وما أهم العوائق التي تواجهها في ذلك؟

السودان الآن- كيف يواجه السودانيون خطر المجاعة في شهر رمضان؟ – DW – 2024/3/27


السودان على مفترق الطرق ‬‎ اخبار السودان ...



اشترك ليصلك كل جديد عن اخبار السودان

خيارات

المصدر https://www.eremnews.com/opinion/selections/1650962 إرم نيوز

زيارة الموضوع الاصلي
السودان على مفترق الطرق ‬‎
حذف الاخبار (Request removal)
اذا كنت تملك هذا المحتوي وترغب في حذفه من الموقع اضغط علي الرابط التالي حذف المحتوى
التعليقات علي السودان على مفترق الطرق ‬‎

اترك تعليقا


قولي © Copyright 2014, All Rights Reserved Developed by: ScriptStars