الحب السّائل القدس العربي
21/01/2019 | 2:00 ص 0 comments
وما الحياة غير هذه المشاهد المتتالية التي نقوم بأدوار البطولة فيها، حياة سائلة، لا شيء متينا أو دائما فيها؟ تسقط أوراق الأشجار في الخريف، تموت الثمار إن لم
وما الحياة غير هذه المشاهد المتتالية التي نقوم بأدوار البطولة فيها، حياة سائلة، لا شيء متينا أو دائما فيها؟ تسقط أوراق الأشجار في الخريف، تموت الثمار إن لم نتناولها، تتحلل وتختفي. لكل كائن عمر معين، لا يمكن أن يتخطاه، قد يبلغ الإنسان مئة عام، قد يتخطاها بقليل، ولكنّه ينتهي كما كل شيء. للحجر عمر، لبقايا العظام عمر، لكل شيء نعرفه أو نجهله عمر، فلماذا نتخبط في فنجان حين تموت العواطف؟ أو تتغير مبادئ أحدنا؟
إن كانت الحياة كلها سائلة، كما قال عالم الاجتماع البولندي زيغموند بومان، فلماذا نصاب بالجنون حين تموت فينا أشياء، وتولد بدلا منها أشياء أخرى؟ لماذا نغضب ولا نجلس أمام مرآة ونعمل على ترميم أنفسنا؟ ألسنا جزءا من هذا المجتمع الاستهلاكي الذي يستهلك كل شيء بما في ذلك العواطف؟ ومن ذلك المحيط المليء بالنهايات؟ أليس هذا ما يثير قلقنا ويبث الرعب فينا كلما وقفنا على إحدى تلك النهايات؟ وإن كانت أسواق الاستهلاك تتغذى كلها على ذلك القلق، فإن العواطف وأسباب الحياة أيضا تتغذى عليه، وحالما نبلغ قمّة الإشباع واكتمال الحالة التي نعيشها تنتهي وننتهي معها.
يقول زيغموند إننا حين نتحدث عن الحب فإننا نضعه في فضائه الزمني الحالي، بدون رؤية مستقبلية للغد، وهذا ما يؤزم المفهوم المعاصر له، كون الغد يورد احتمالات نهايته، بالضبط قال «يدور قلق الناس، قبل الدخول في علاقات ملزمة، حول سيناريوهات الخروج منها، عندما يلتقي اثنان للعيش معا، يجري الأمر تحت شعار (سنرى كيف ستجري الأمور) وهو ما يجعل تلك العلاقة هشة». «نحن في صدد خسارة المهارات اللازمة لجعل علاقاتنا مستقرّة»، يضيف بومان في حوار أجرته معه فيونا أتوود من جامعة ميدلسكس وعنونته بـ«الحب ليس وصفة جاهزة».
إن كانت الحياة كلها سائلة، كما قال عالم الاجتماع البولندي زيغموند بومان، فلماذا نصاب بالجنون حين تموت فينا أشياء، وتولد بدلا منها أشياء أخرى؟ لماذا نغضب ولا نجلس أمام مرآة ونعمل على ترميم أنفسنا؟
يذهب بومان في شرح نظريته من منطلق مقارنة الحاضر بالماضي، هو الذي عاش طويلا وشهد على أزمان مختلفة ومكوناتها المختلفة من أحياء وأشياء، فيقول إن النّاس كانوا يتقنون إصلاح أشيائهم لإطالة عمرها، وكذلك يفعلون مع علاقاتهم، يرممونها كلما طال العطب جانبا منها، وهم قبل ذلك يجتهدون في بنائها لتبقى دائمة، ثمة نوايا حسنة تجاه كل شيء، أمّا اليوم فالأمور مختلفة تماما، إذ بسهولة يتم الاستغناء عن الشيء بمجرد تعطله، لا ترميم ولا تصليح، وهذا الاستغناء يطال العلاقات أيضا.
هذا الفيلسوف المتأمل في سلوكات المجتمع، لم يخترع شيئا، فهذا الكلام نسمعه من كبار السّن، ولكننا لا نأخذه بمحمل الجد، وإن فعلنا، فكأن الأمر لا يعنينا، بل يعني الآخرين. ما يعطي أهمية لمقولاته، ودراساته، وفكره هو الصيغة الكتابية التي أضيفت إلى عشرات الكتب المنصبة بموضوعاتها في الثيمة نفسها، وهذا يؤكد أن الإنسان نتاج ما جُبِل عليه، بما في ذلك عواطفه، وهواجسه الداخلية. لكن السؤال الذي يشغلني بعد تتبع هذه المعطيات كلها، هو هل يمكن اعتبار الحب هو الرّابط الوحيد في علاقاتنا؟ بما أن الحب معرّض للتلف في لحظة ما غير متوقعة؟ لماذا ربط بومان دوام الرّوابط العائلية القديمة بالنوايا؟ وهل يصح أن نربطها اليوم باحترام الذات، وبالقاعدة الأخلاقية التي توفّر الالتزام تجاه الطرف الآخر، مهما قلّ الحب أو كثر؟ إنّ الذي يتأذى من الفقدان، وانكسار علاقاته، هو ذلك الشخص المؤمن بالحبيب الكامل، ذلك الذي يعوضنا الأب والأخ والعائلة والأصدقاء، فيصب فيه كل مشاعره دفعة واحدة، ثم فجأة حين يُصنف من طرف ذلك الآخر، ويوضع في خانة معينة، ولنفرض أنها خانة «الحبيب» فقط، فإنّه حتما سيصاب بصدمة، لأنه كان يتوقّع حبا أوسع، وأكبر، حبا يجد فيه شساعة مشاعره الخاصة له.
في زمن مضى كانت المرأة عند الزواج تسلم لعائلة أخرى، وليس فقط لرجل سيصبح زوجها، تقتلع من تربتها وتزرع في تربة مغايرة، والمطلوب منها أن تنمو، وتنسى أهلها، كما ورد في الوعود الكنسية عند الزواج، وهي وعود مشتركة بين أغلب المجتمعات الدينية، وهي نفسها الرّوابط التي تجعل المرأة ترى في الزوج تعويضا لكل خساراتها. أعتقد أن هذا المفهوم في اختلاف الرؤى العاطفية بين شخصين هو الذي يخلُّ بأي علاقة، إذ آجلا أو عاجلا سيؤدي هذا الاختلاف في الرؤى إلى انهيار الأنثى واختناق الذكر، أو العكس. لكن قديما ما كانت تحدث هذه الانكسارات بشكل واضح، لأن استمرار العلاقات المكسورة يعطي انطباعا بأنها بخير، في ما هي ليست كذلك، في الغالب نجد بدائل سرية لإشباع الفراغ الذي يأكل أحد الطرفين إن لم يأكله الحزن والاكتئاب، وأمراض نفسية أخرى، قد تصل لارتكاب جريمة لتصفية الآخر. حدّة تلك العواطف لن تكون سليمة أبدا إن لم تُشذّب، وتهذب، وتُوصَل بعلاقات فرعية تشكّل شبكة حماية، وتخفف الضغط على أحد الطرفين، فلا تشيّؤه، لأن امتلاك المحبوب في حالة كهذه يشبه الجنون، ووحده يطفئ ذلك الغليان العاطفي تجاهه. لكن من لديه القدرة ليكون مملوكا، مجرّدا من حريته، ومن مشاعره الغريزية تجاه أفراد من محيطه؟
في زمن مضى كانت المرأة عند الزواج تسلم لعائلة أخرى، وليس فقط لرجل سيصبح زوجها، تقتلع من تربتها وتزرع في تربة مغايرة، والمطلوب منها أن تنمو، وتنسى أهلها.
إن لم أكن عادلة في وجهة نظري، فهناك حتما من يرى ما فاتني من أمور متعلّقة بالحب، إذ أجزم أنني خبرت الحب العائلي بكل أنواعه، لكنني لم أختبر حبا كالذي وصفه بومان من خلال زواجه الذي دام اثنين وستين وعاما، وخلال قراءتي لكتابه، بحثت تحديدا عن السر في إبقاء ذلك الحب نابضا بينهما، فقد تيقنت أن تجربته الشخصية هي الدافع الأول لإيمانه بالحب، فلا أحد يكتب هذا الكتاب وهو فاقد لأهم عناصره.
في كتابها «لماذا نحب؟» تشرح هيلين فيشر – وهي باحثة في علم الأنثروبولجيا، وعلم النفس التطوري وعلم الأعصاب – كيف أن الحب يخضع لميكانيزمات كيميائية وأخرى نفسية، وكيف يمكننا أن نخفف من حدّته، أو ننقاد بسبب تأثيراته لأمور لا تخطر على بال. معرفة الجانب العلمي عن الحب، بالتأكيد جيد ومفيد، لأنه يضعنا أمام حقيقتنا البشرية، لكنه لا يقدّم لنا مفاتيح لحماية مشاعرنا الملتهبة من الانطفاء، إنه يضيء أماكن نجهلها في ذواتنا، لكن طبيبا مثل الأمريكي ويلارد أف هارلي يقدّم في بحوثه مخططات لبناء زيجات ناجحة، أو لإنقاذ زيجات على وشك الانهيار، إذ يصر أن لكل زواج هندسة تحميه، ولكل هزة قد تهدد زواج أحدهم بالانتهاء دعامة لإنقاذه.
التفاتتي اليوم للحب مجددا، سببه تمرد بعض الإناث العربيات وخروجهن من «خيمة الحب» التي تنصب لهن منذ ولادتهن، وقد تكون خيمة من ذهب، وخدم وحشم وحرير والماس وولائم خرافية، ومجوهرات و«طنة ورنة»، فيما الحب البشري على طبيعته أبسط من كل هذا الكرنفالات، وأغلى من كل هذه النفائس، إنه شيء قد نجده في عناق، في همسة، في كلمة، أو في لحظة صمت. ولعلّه من الجيد ونحن ننتظر دراسات جادة لما تعانيه مجتمعاتنا من قحط عاطفي مغلّف بأنواع واهمة من الحب، أن نبدأ بقراءة «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسي، ونعالج أعماقنا من التّلف، قبل أن نتحوّل إلى وحوش. …
٭ شاعرة وإعلامية من البحرين
زيارة الموضوع الاصليالحب السّائل القدس العربي
موقع قولي غير مسئول عن المحتوي المعروض، فهو مقدم من موقع اخر (سياسة الخصوصية)
الفرق بين الحب والإعجاب في لغة الجسد من منظور علم النفس - جريدة لحظات نيوز
قام علم النفس بتوضيح الفرق بين الحب والإعجاب، وذلك من خلال دراسات عديدة أثبتت أن الفروق تكون كالآتي :
لتحديد ضوابط العلاقة بين الزوجين.. «الإفتاء» تطلق أحدث إصداراتها «الفتوى وتنمية الأسرة» - الأسبوع
ضوابط العلاقة بين الزوجين.. يعتبر الزواج علاقة مقدسة بين الرجل والمرأة، وتتسامى بها كل معاني العطف كالحنان الحب والمودة والرحمة، والتضحية، حيث أولى الإسلام الأسرة اهتمامًا بالغا فحث عند الإقدام…

الخطر المقبل: الحب مع الذكاء الاصطناعي
إنها الساعة الثالثة ليلا ويقرر الرجل التكلم مع المرأة التي يعشقها، إنها المرأة الكاملة الأوصاف التي لن تنزعج لاتصاله بها في هذه الساعة المتأخرة، فهي دائما في انتظاره لإرضائه مهما كانت درجة انزعاجه وغضبه. يتصل بها، ويجدها في منتهى الترحاب، فتسأله عن يومه ومشاكله وتحاول التخفيف من همومه الكثيرة. ويشعر الرجل بسعادة بالغة لأنها تبدو […]

الحياة أنت وهي ترصد آراء المواطنين حول هل الحب أون لاين ممكن يتحول لعلاقة حقيقية؟ - بوابة الأهرام
استعرض برنامج الحياة أنت وهي الذي تقدمه الإعلامية راندا فكري، المذاع عبر قناة الحياة، تقريرا يرصد فيه آراء المواطنين حول هل الحب أون لاين ممكن يتحول لعلاقة حقيقية؟

آخر خطابات مصر تكشف أسرار الزواج الناجح: لا الحب و لا الفلوس السؤال الصعب سكاي نيوز عربية
تحترف واحدة من أقدم المهن التقليدية في العالم العربي وأكثرها عرضة للاندثار في عالم التطبيقات الذكية ومواقع السوشيال ميديا، رغم ذلك تسعى إلى التوفيق بين أحلام المرأة ومتطلبات الرجل وتحقيق آمانيهما في الحب.

ياسمين عز: برنامجي كتاب للحب مثل أبلة فضيلة في الطبخ
قدمت الإعلامية ياسمين عز، نصائح للفتيات في للتعامل مع العلاقات العاطفية، مشيرة إلى أن المرأة قطعة حلو الجاتوه بطعم الكريمة.

تامر حسني عن نجاح فيلم بحبك: لكل مجتهد نصيب - الجمهور الإخباري
عبر الفنان تامر حسني، عن سعادته بسبب تحقق فيلمه الذي يحمل اسم «بحبك» أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية والعربية، والعمل من بطولة هنا الزاهد، وحمدي الميرغني.

الحب السّائل القدس العربي حب وزواج وما الحياة غير هذه المشاهد المتتالية التي نقوم بأدوار البطولة فيها، حياة سائلة، لا شيء متينا أو دائما فيها؟ تسقط أوراق الأشجار في الخريف، تموت الثمار إن لم
التعليقات علي الحب السّائل القدس العربي