هل يمكن تصالح الجنس والسياسة والدين في العالم العربي؟ القدس العربي
30/07/2019 | 2:00 م 0 comments

تقدم شيرين الفقي الباحثة الأمريكية من أصل مصري، في كتابها «الجنس والقلعة» توثيقا ميدانيا يحاول تفسير التداخل السياسي والديني والجنسي والثقافي، خلال المرحلة التي
تقدم شيرين الفقي الباحثة الأمريكية من أصل مصري، في كتابها «الجنس والقلعة» توثيقا ميدانيا يحاول تفسير التداخل السياسي والديني والجنسي والثقافي، خلال المرحلة التي تلت ثورة المصريين عام 2011، وهو ما يتابع محاولات قليلة سابقة للخوض في هذا الظواهر المرتبطة بالجنسانية Sexuality، للتونسي عبد الوهاب بوحديبة، في كتابه «الإسلام والجنس»، وبوعلي ياسين في «الثالوث المقدس: الدين والجنس والسياسة»، وعبد الصمد الديالمي في عدة كتب منها «سوسيولوجيا الجنسانية العربية» و»نحو ديمقراطية جنسية إسلامية» وغيرهم. تميز منظمة الصحة العالمية بين الجنس، الذي يحيل إلى الخصائص البيولوجية للذكورة والأنوثة (والعملية الجنسية) والجنسانية التي تمثل تداخلا بين البيولوجي والنفسي والسوسيو ـ اقتصادي والتاريخي والثقافي والأخلاقي والقانوني والديني، ويكشف البحث الميداني المذكور مؤشرات لارتباط الجنسانية بالمعاني الواسعة المذكورة في قضايا السياسة والدين في العالم العربي، وتفيدنا الفقي بتقديم أمثلة كثيرة، منها على سبيل المثال، أن عيادة الدكتورة هبة قطب، التي كان أغلب زبائنها من الذكور المتحفظين في عرض مشاكلهم الجنسية، شهدت زيادة كبيرة في نسبة النساء بعد ثورة 2011، وهو ما تفسره بتصاعد رغبة النساء في المطالبة بالحقوق الجنسية، وبالتمرد والرفض اللذين ميزا المجتمع المصري في تلك الفترة.
ترصد الفقي مشاهداتها في المجتمع المصري، تجمع بين تلك اللحظة السياسية الفاصلة بفعل دخول الإنترنت والأفلام الأجنبية ووسائل التواصل، والتوترات الناتجة عن ظواهر سوسيولوجية حديثة/ قديمة داخل العلاقات الجنسية داخل مؤسسات الزواج وخارجها، ويعرض القمع الذي يتعرض له المجتمع، حيث تعاني النساء والأقليات الجنسية، من العنف الجنسي والتحرش والضرب والاغتصاب والخفض والختان وانتهاك حقوقها، بما فيها التي تحميها القوانين، كما تنقل الباحثة أشكالا عديدة من معاناة الرجال تحت ضغوط متنوعة للتأقلم مع متطلبات الزواج والجنس ومفاهيم الرجولة والفحولة.
ترصد الفقي معالجة النساء لمخاوف الهجر والمنافسة باللجوء للملابس المغرية، وأنواع التجميل (وحتى السحر)، وتعامل الرجال معها بالفياغرا، وأفلام الجنس، والمآكل التي يعتقد بتأثيرها الجنسي كالسمك والقريدس، وبالزيجات المتعددة أو العلاقات خارج الزواج، وأحيانا بضرب الزوجات والجنس القسري الأقرب للاغتصاب، مع ما يؤدي إليه من شعور عام بالعجز والإحباط الجنسي والاجتماعي وعدم القدرة على مجاراة ضغوط العصر.
عطب الفحولة مؤامرة إسرائيلية؟
يجري زوج مترجمة تعمل مع الكاتبة نوعا من الإحصائية بين الموظفين الذكور في دائرته، فيكتشف وجود أكثر من 20 حالة من الضعف الجنسي، وبعد نقاش حول الموضوع بينهم حول الأسباب يُتهم فيه التلوث والاقتصاد، يخلصون إلى نتيجة أن السبب هو مؤامرة إسرائيلية ـ أمريكية على المصريين، وهذه النتيجة على سخافتها، تعطي فكرة عن ربط غير مقصود ربما بين الحالة السياسية والجنس.
أتذكر في ثمانينيات القرن الماضي حادثة رويت لي عن تنظيم ماركسي في سوريا تأثر، على ما يبدو، بكتاب ولهلم رايخ الشهير «الثورة الجنسية»، الذي اقتنع أفراده بأن التحرر الجنسي هو مقدمة للتحرر السياسي، وكانت النتيجة، حسب رواية صديق مقرب لهم، أن السلطات الأمنية، وكنوع من التحقير لهذه الدعوة على ما يبدو، أرسلت لهم «شرطة الآداب» لاعتقالهم بدلا من أجهزة الأمن السياسي المتعددة.
تشبه الفقي العطب العربي في ما يخص الجنسانية وشؤونها بالقلعة (وهو تشبيه جنسي أيضا)، ولكنها تقول إن هذه القلعة تشهد اختراقات كبيرة، وتربط الفقي والديالمي وبوحديبة وأمثالهم هذا الاستعصاء العربي بقضية الديمقراطية.
تحاول الفقي البحث في هذه العلاقة بين التحرر السياسي والجنسي بين المصريين أثناء الجيشان الثوري العظيم عام 2011، مستفتية الشبان في الخيام المنتشرة في ساحة التحرير أثناء الانتفاضة، ورغم اكتشافها قلة صغيرة جدا تفكر بربط الثورة السياسية بالتحرر الجنسي، غير أن أحد المعتصمين حذرها من كون ما تفعله يشكل كارثة على الثوار في الساحة، موضحا أن «الثورة السياسية تقتضي ثورة اجتماعية»، لكنها لن تقترب من القضايا الجنسية، لأن المصريين شعب محافظ ومتدين، وأن ما تفكر فيه مرفوض ولن يحصل «ولو بعد مئة سنة».
يبين المثال المذكور وجهة نظر سائدة في مجمل الاتجاهات السياسية العربية، ويبين عدم اقتصارها على التيارات الدينية، وهذا لا يظهر في الحقيقة سطوة المفاهيم التقليدية للجنسانية وحسب، بل يظهر عطبا سياسيا كبيرا يحتاج تحليلا عميقا.
تبدي الأنظمة العربية انزعاجا شديدا من أي دراسات علمية أو إحصائية لقضايا الجنس، ويفسر عبد الصمد الديالمي (وتتابعه الفقي في ذلك) الأمر بالتزام الأنظمة العربية بوجهة نظر الفقه الإسلامي التقليدي للسلوكيات الجنسية، وخضوع هذه الأنظمة لضغوط التيارات المحافظة دينيا، وهذا تفسير مريح، رغم إشكاليته (فهو يعني أن الأنظمة التي تسيطر على الفضاء العام تخضع في هذه المسألة لمنظومة المعارضة)، لكنه تفسير موضعي وآني لعطب عام تعاني منه أغلب السرديات السياسية العربية.
تدفع هذه الحالة الأنظمة وشعوبها لحال من الفصام والنفاق المعمق والانشغال العبثي العام بإخفاء الفارق الفادح بين التجاهل الرسمي والواقع المعلوم للجميع، وهو أن واقع «الجنسانية العربية ليس مطابقا لما ينبغي أن يكون إسلاميا»، لكنه يخفي في الحقيقة الطابع السلطوي والقمعي للعلاقات الجنسية، كما يخفي وجود منظومة مترابطة للقمع بين السياسة والجنس والدين في كافة الأيديولوجيات السياسية العربية، وليس فقط ضمن أيديولوجيات السلطة والتيارات السلفية.
شرق وغرب: هذيانات متبادلة
تفيد رؤية المستجدات في قضايا الجنسانية خلال التبدلات التاريخية في البلدان العربية منذ 2011 في إعادة تحليل الحالة المعقدة لقضية الجنسانية في العالم العربي مع لحظة تاريخية أخرى تركت بصماتها على كافة شؤون السياسة والدين والجنس في العالم العربي وهي العلاقة بين الشرق والغرب، وهي العلاقة التي ساهمت بنشوء بنى عربية تكشفها الاستيهامات التي تربط كل ما يتعلق بالانفتاح الجنسي في الغرب.
تتجاهل هذه الاستيهامات تاريخ الخطاب الجنسي العربي المنفتح، الذي يمثله امتلاء اللغة العربية بمئات المصطلحات الجنسية، وامتلاء المدونة العربية بالكتب الأيروتيكية التي كتبها شيوخ وأئمة تقليديون كثيرون (وضاع منها الكثير)، وهو خطاب يعتبر ديمقراطيا في رؤيته لحاجات الرجال والنساء وتقديم الحلول لها من دون ربطها الحديث بمحرمات الفقه، ولا ندري كم ساهم هذا الخطاب في الرؤية الاستشراقية الغربية اللاحقة للبلاد الإسلامية، الذي يجعلها فردوسا جنسيا ومجالا لاستيهام كبير حول الحريم والجنس الجماعي (وحتى فحولة الرجال).
هذه الوقائع مع القيمة المضافة للمخيال الجنسي الغربي حول شرق الحريم والممارسات الجنسية المعممة للعرب والمسلمين، تحولت بعد الاصطدام العربي ـ الإسلامي بالكولونياليات الغربية إلى سردية جديدة لتيارات سياسية عربية، خصوصا السلفية منها، تقدم صورة مخيالية للعالم العربي ـ الإسلامي، باعتباره قلعة مغلقة متمسكة بالفضائل الدينية والعفاف الأخلاقي والجنسي، في مواجهة الانحلال الجنسي للغرب، وهو ما يبدو تعويضا نفسيا معمما على فكرة الاستعمار باعتباره اغتصابا جماعيا لـ»الأمة» وكسرا لفحولتها.
بذلك انقلبت الأدوار من الاستشراق الغربي إلى استشراق عربي ـ إسلامي هذياني مقلوب، وهو أمر صورته أعمال إبداعية عربية كثيرة، لعل أكثرها تعبيرا عن هذه الأطروحة رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، وأشدها عنفا رواية «أصوات» لسليمان فياض، وهناك سلسلة طويلة من الكتاب جروا هذا المجرى كأحمد إبراهيم الفقيه في ثلاثيته، وسهيل ادريس في «الخندق الغميق».
تشبه الفقي العطب العربي في ما يخص الجنسانية وشؤونها بالقلعة (وهو تشبيه جنسي أيضا)، ولكنها تقول إن هذه القلعة تشهد اختراقات كبيرة، وتربط الفقي والديالمي وبوحديبة وأمثالهم هذا الاستعصاء العربي بقضية الديمقراطية، التي هي المنفذ الوحيد للخروج من الدائرة المغلقة للعطب العربي، الذي يمثله الاشتباك الحاصل بين الجنس والدين والسياسة.
٭ كاتب من أسرة «القدس العربي»
زيارة الموضوع الاصليهل يمكن تصالح الجنس والسياسة والدين في العالم العربي؟ القدس العربي
موقع قولي غير مسئول عن المحتوي المعروض، فهو مقدم من موقع اخر (سياسة الخصوصية)
ترامب: شرف عظيم لـ الولايات المتحدة أن يكون البابا الجديد أمريكيا
هنأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الكاردينال الأمريكي روبرت فرنسيس بريفويست بانتخابه بابا جديدا للكنيسة الكاثوليكية، قائلا إن انتخابه

السيطرة على حريق أعلى سطح عقار بوسط البلد
سيطرت قوات الحماية المدنية علي حريق نشب أعلى سطح عقار بمنطقة وسط البلد، دون أي خسائر بالأرواح.

تعليق هبة قطب على واقعة وفاة والد عامل الدليفري متأثرا بتهديدها لنجله بعد سقوط علبة الحلوى على الدائري –
كنبت / أمل فرج تصدرت الدكتورة هبة قطب، استشارية العلاقات الزوجية، خلال الساعات الأخيرة مؤشرات ا

تكميم معدة .. أسرة محامي تحمل طبيبًا مسؤولية وفاته وتطارده بالقانون - تليجراف مصر
حررت أسرة محامي يدعى أيمن محمد إبراهيم، وشهرته "أيمن اليماني"، محضرًا رسميًا ضد أحد الأطباء، تتهمه فيه بالتسبب في وفاة نجلهم، عقب إجراء عملية تكميم معدة داخل أحد المستشفيات الخاصة.. التفاصيل.

تفاصيل سرقة هبة قطب على يد سائق أوبر.. هذا ما حدث
تعرضت الدكتورة هبة قطب، استشاري العلاقات الأسرية، لواقعة مؤسفة مع شركة النقل الذكي

عامل الدليفري في واقعة هبة قطب: أبويا مات من القهرة ومحدش ساعدني - تليجراف مصر
في تطور جديد ومؤلم لقضية شغلت الرأي العام خلال الأيام الماضية، قال محمد، عامل الدليفري

هبة قطب تتصدر التريند بسبب واقعة سائق أوبر .. ما القصة؟
تصدر اسم الدكتورة هبة قطب، استشاري العلاقات الأسرية المصرية، تريند محرك البحث الشهير جوجل، خلال الساعات الماضية، بعد تداول أنباء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإخبارية المصرية، عن تعرض هبة قطب للسرقة من قبل أحد سائقي شركة النقل الذكي

هل يمكن تصالح الجنس والسياسة والدين في العالم العربي؟ القدس العربي الثقافة الجنسية تقدم شيرين الفقي الباحثة الأمريكية من أصل مصري، في كتابها «الجنس والقلعة» توثيقا ميدانيا يحاول تفسير التداخل السياسي والديني والجنسي والثقافي، خلال المرحلة التي
التعليقات علي هل يمكن تصالح الجنس والسياسة والدين في العالم العربي؟ القدس العربي