الموضوعات تأتيك من 15525 مصدر

اخبار عاجلة

Tweet

السودان.. بين طيبة القلب وطينة الأرض

28/08/2019 | 2:00 م 0 comments
السودان.. بين طيبة القلب وطينة الأرض

تقذفني الأقدار مرة أخرى إلى واجهة الأحداث. على عجل استدعي حاجاتي الضرورية.. أرتب أغراض السفر.. أتأبط حقيبتي، ثم أتجه مسرعا إلى مطار دبي، حيث وجهتي، السودان.. فا

اااه الجزائر والسودان.. انتفاضتان تشبهان بعضهما إلى حد كبير.. كانتا ثورتي ابتسامة بحق.. لقد استخلص الأحرار في البلدين، تجربة دول الجوار وماضي الحروب الأليمة.. السلم الأهلي مكسب.. والتفريط فيه خط أحمر.

في الأجواء رُحت أقرأ الصحف والمواقع الإلكترونية وما تجود به من أخبار.. كان تركيزي منصباً على معرفة وفهم ما يدور في السودان.. ومن دون سابق إنذار تطالعني الأنباء "قوى الحرية والتغيير ترشح الخبير  عبد الله حمدوك رئيسا للوزراء".. رجلٌ متمرس في الاقتصاد، قليل الحيلة في السياسة. لا تهم السياسة، فذاك ملعب له أهله.. يبحث السودانيون عمن ينتشل اقتصاد البلد من أزمته.. عن موسى وعصاه.. فالفيل الهائم على وجهه يريد النهوض من جديد.

كانت الساعة تشير إلى الرابعة مساءً، حينما كشفت الخرطوم عن وجهها من علٍّ.. بدا واضحاً أن مياه النيلين زارتا الأحواش، وغمرتا الطرقات، وحولتا الأرض إلى مستنقعات وبرك آسنة. أول ما يتخطفه البصر، هشاشة البنية التحتية، وسوء المنظومة الصحية.

أتساءل في نفسي: كيف لبلد حباه الله بثروات طبيعية هائلة وقدرات بشرية مذهلة، يفشل في بناء عاصمة تليق بتاريخ السودان وشعبه العظيم؟

النتيجة الوحيدة التي أستشفها، أن نظام البشير بنى نظاماً ثيوقراطياً بائساً وحطّم الدولة.

تحط الطائرة في مطار الخرطوم الدولي، الذي يعبره نحو 3 ملايين مسافر سنوياً.. يفتقر المطار إلى المرافق العصرية.. بهوه شديدُ الضيق وحواجزه الأمنية أكبر تحد للمسافرين.. لا غرابة أن تنتظر ساعات لاستلام حقيبتك.. ما يخفف وعثاء السفر.. خفة دم السودانيين ونقاء سرائرهم، فهم طيبون ولطفاء لأبعد الحدود.

نتجه إلى فندق كورنثيا.. برج ضخم، زُرع على شكل بيضة.. شيدته الدولة الليبية، إبان حكم العقيد الراحل معمر القذافي، إنه معلم ومنارة.. مكان مثالي، يصطاد فيه الصحفيون، الساسة وكبار الشخصيات، فالمكان مقصد للوفود الرسمية، التي بدأت تتداعى للمشاركة في حفل التوقيع النهائي للوثيقة الدستورية.

من شرفتي في برج "الفاتح"، الذي يتوسد النيلين، بإمكانك أن ترى سحر الخالق.. جنة فوق الأرض.. أشجارٌ وارفة تحيط المكان، وبيوتٌ عريقة تحتضن المساجد والكنائس.. صورة فريدة من التعايش بين الديانتين منذ قرون. في الضفة الأخرى يتراءى لك عُمران حديث.. ملاح مدينة عصرية بدأت التشكل، غير بعيد عن مقرن النيل، الذي يلتقي فيه النيل الأزرق القادم من إثيوبيا، النيل الأبيض المنسدل من بحيرة فيكتوريا، الواقعة على حدود أوغندا وتنزانيا وكينيا.

يحق لي الآن أن أُطلق تنهيدة طويلة.. أشعر بحسرة وغصة.. السودان حتماً يستحق الأفضل.. إنه الشعور نفسه، الذي يختمر في قلب كل سوداني قابلته.. لقد كان بالإمكان أفضلُ مما كان.

على مدى ثلاثة عقود، أَدخل نظام البشير البلاد في حروب أهلية.. قتلت وشردت مئات الآلاف، وقسّمت العملاق الأكبر أفريقيا إلى شطرين.. لا بل جعل البلاد بيئة طاردة لأكثر من 5 ملايين شخص، وجدوا أنفسهم مجبرين على الهجرة.. ضاعت سنوات كانت كفيلة بإقلاع اقتصادي وتنمية لا نظير لها في المنطقة.. لقد اهتم الرئيس السّابق  بإثراء محيطه وشراء الذمم لتحصين عرشه.. حاصص قادة الحركات المسلحة، من دون إرساء سلام مستدام.. وحوّل الجيش إلى جيوش.. وبنى الحزب على حساب الدولة، فغدا المؤتمر الوطني إمبراطورية تنام على مناجم وكنوز ثمينة،  أكثر من 31 مليار دولار في الخزائن، وأكثر من 7 آلاف شركة تسيطر على الاقتصاد السوداني، ونحو 5000 سيارة فارهة.. والقائمة تطول من الغنائم، وفق التحقيقات.

 أقطع تفكيري هنيهة .. أتذكر أن لي لقاءً مع صانع الإنجاز  السوداني، الوسيط الأفريقي، البروفيسور محمد الحسن لبات.. الزميلة سامية اعتدت لنا متكأً في بهو الفندق.. لقد حاصرت الرّجل أياما وأسابيع من أجل الحصول على آخر معطيات المفاوضات الماراثونية، التي دامت أربعة أشهر بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير..  يتبرم هذا المحنك من لقاء الصحفيين.. إنهم محققون مزعجون.. أسئلتهم ماكرة.. يتصيدون الهفوات.. ويشكلون عامل ضغط سلبي، والمفاوضات تحتاج إلى هدوء وتركيز شديدين.

كنت مع بضعة زملاء، حينما نزل الدبلوماسي الموريتاني المخضرم، ذو الجسم الرشيق، من غرفته في حدود الساعة الثامنة مساءً بتوقيت الخرطوم.. يرمقنا من بعيد بنظرة حادة،  مع ابتسامة خفيفة تعلو وجنتيه.. يعتني بهندامه وقصة شعره الذي غزاه الشيب، كما لو أنه شاب ثلاثيني.. يندلف ويلقي التحية.. يتعرف إلينا.. ويتكلم بحزم: لدي مواعيد كثيرة.. ماذا تريدون؟ نجيبه.. مقابلة صحفية. يفرك الرجل أذنيه.. لا يعطي جواباً حاسماً، ثم يجلس. يحاول لبّات معرفة طبيعة الأسئلة، ووزن الصّحفي الذي يحاوره، ويهتم بأدق التفاصيل.

نستدعي النادل، ومن دون بروتوكولات.. يطلب ضيفنا ساندويتش.. لقد تعود على الأكل السريع والوجبات الخفيفة.. لا ترف لديه للجلوس على الموائد التي تعج بالأطباق.. مهمته الكبرى تتلخص في إيجاد حل للأزمة السودانية وفي أسرع وقت.

مع مرور الوقت يطمئن لبات إلى جلستنا.. يأخذ راحته في الحديث، فيطلق العنان لذاكرته، ليروي لنا مغامراته مع الساسة وكواليس عملية التفاوض العسيرة.. لقد استلهم فلسفة نيلسون منديلا في تفكيك العقد والألغام السودانية.. كان التحدي الأكبر، إعداد القادة السياسيين المتشبثين بآرائهم للتفاوض.. مهمة شاقة تحتاج رباطة جأش ودهاء كبيرين.. يستحضر الرجل معادلة ماديبا، الذي عمل تحت إدارته سنوات في الاتحاد الإفريقي: "إذا لم يستعد المتفاوض للاتفاق مع من قتل ابنه واغتصب ابنته وقطعَ ثديها، فهو ليس جديراً بالتفاوض".

يتسلح البروفسور لبات بموسوعيته العلمية وتجارب الدهر وقوة الشخصية، لتليين الآراء وتصحيح المواقف.. نعم العلم والمعرفة أكبر سلاح لمواجهة الجهل المدفون في بعض العقول.. لقد تجاوز فعلاً وباقتدار هذا الامتحان الصعب.. وبات محل تقدير من السودانيين.. ومصدر فخر للموريتانيين. يثبت هذا الستيني، أن بإمكان إفريقيا حل أعقد أزماتها بنفسها، بعيداً عن تأثيرات الخارج وأطماعه.   

أُمضي ليلتين أخريين في الخرطوم.. أشهد التوقيع النهائي، وأجري مقابلات صحفية مع الفرقاء الذين أصبحوا شركاء في السلطة..  أُغادر البلد والقناعة راسخة.. بإمكان السودان أن يُقلع من جديد.. إذا توفرت النوايا الصّادقة والإرادة الحقة، في ترميم خلافات الماضي وبناء ما دمرته السنون.

موقع قولي غير مسئول عن المحتوي المعروض، فهو مقدم من موقع اخر (سياسة الخصوصية)
اقرأايضا
27/03/2024 | 5:40 م

حرب استنزاف.. واشنطن تأمل استئناف مفاوضات السودان بعد رمضان التلفزيون العربي

اعتبر المبعوث الأميركي أن "حرب الاستنزاف" في السودان "لا تمثل كارثة للمدنيين فحسب، بل يمكنها بسهولة أن تثير انقسامات أكثر وتصبح حربًا إقليمية".

حرب استنزاف.. واشنطن تأمل استئناف مفاوضات السودان بعد رمضان   التلفزيون العربي
27/03/2024 | 5:40 م

أميركا تتعهد بتقديم 47 مليون دولار لدعم السودان ودول مجاورة

تعهدت الولايات المتحدة، اليوم (الأربعاء)، بتقديم مساعدات إنسانية جديدة بنحو 47 مليون دولار للاستجابة لحالات الطوارئ في السودان ودول مجاورة.

أميركا تتعهد بتقديم 47 مليون دولار لدعم السودان ودول مجاورة
27/03/2024 | 5:40 م

السودان الآن- كيف يواجه السودانيون خطر المجاعة في شهر رمضان؟ – DW – 2024/3/27

انتصف شهر رمضان وسط تحذيرات الأمم المتحدة من شبح المجاعة في السودان. فكيف هي أحوال السودانيين في أول رمضان يعيشونه وسط الحرب؟ وكيف توفر المبادرات المجتمعية الطعام للمحتاجين؟ وما أهم العوائق التي تواجهها في ذلك؟

السودان الآن- كيف يواجه السودانيون خطر المجاعة في شهر رمضان؟ – DW – 2024/3/27
27/03/2024 | 5:40 م

تحذير أممي: السودان يواجه واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية

حذرت مسؤولة في الأمم المتحدة، الأربعاء، من أن السودان حيث يلوح شبح المجاعة بعد نحو عام من الحرب، يواجه "واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في الذاكرة

تحذير أممي: السودان يواجه واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية
27/03/2024 | 5:40 م

تحذيرات من غرق السودان في دوامة صناعة الميليشيات سكاي نيوز عربية

تشهد مناطق عديدة في شرق وشمال وغرب السودان تنافسا حادا على عمليات "التجييش" وصناعة ميليشيات مسلحة جديدة، وسط تحذيرات متزايدة من المآلات الخطيرة، التي يمكن أن تغرق البلاد أكثر في صراعات دموية في ظل الحرب الحالية المستمرة منذ نحو عام بين الجيش وقوات الدعم السريع.

تحذيرات من غرق السودان في دوامة صناعة  الميليشيات    سكاي نيوز عربية
26/03/2024 | 12:35 ص

السودان.. جهود أفريقية جديدة مع احتدام القتال في 3 جبهات سكاي نيوز عربية

تزامنا مع احتدام القتال في العاصمة الخرطوم ومدينتي بابنوسة والفاشر في غرب السودان، أجرى وفد "الآلية الأفريقية رفيعة المستوى" الخاصة بالسودان، التابعة للاتحاد الأفريقي، مباحثات جديدة مع قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الأحد، وسط تقارير عن إيصال رسالة صارمة للدفع في اتجاه انهاء الحرب. 

السودان.. جهود أفريقية جديدة مع احتدام القتال في 3 جبهات   سكاي نيوز عربية
26/03/2024 | 12:35 ص

محمد تورشين لمونت كارلو انضمام حركة تحرير السودان إلى الجيش انتصار كبير له

أعلن ميني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان وحاكم إقليم دارفور توجه قوات من الحركة إلى العاصمة الخرطوم للمشاركة مع الجيش في القتال ضد قوات الدعم السريع.

محمد تورشين لمونت كارلو  انضمام حركة تحرير السودان إلى الجيش انتصار كبير له


السودان.. بين طيبة القلب وطينة الأرض اخبار السودان تقذفني الأقدار مرة أخرى إلى واجهة الأحداث. على عجل استدعي حاجاتي الضرورية.. أرتب أغراض السفر.. أتأبط حقيبتي، ثم أتجه مسرعا إلى مطار دبي، حيث وجهتي، السودان.. فا



اشترك ليصلك كل جديد عن اخبار السودان

خيارات

السودان.. بين طيبة القلب وطينة الأرض
المصدر https://www.skynewsarabia.com/blog/1279061-السودان-طيبة-القلب-وطينة-الأرض سكاي نيوز عربية: أخبار اليوم
حذف الاخبار (Request removal)
اذا كنت تملك هذا المحتوي وترغب في حذفه من الموقع اضغط علي الرابط التالي حذف المحتوى
التعليقات علي السودان.. بين طيبة القلب وطينة الأرض

اترك تعليقا


قولي © Copyright 2014, All Rights Reserved Developed by: ScriptStars