غزة والصحافة
06/08/2014 | 12:36 ص 0 comments

كان هناك وقت خالط فيه سياسيينا ووسائل إعلامنا الرئيسية خوف مبدئي عندما يتعلق الأمر بتغطية حروب الشرق الأوسط: أنه لا ينبغي أن يصفهم أحد أبداً بأنهم معادون للسامية
› ترجماتغزة والصحافةنهاية الدولة العربيةروبرت فيسك* – (الإندبندنت) 1/8/2014
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
كان هناك وقت خالط فيه سياسيينا ووسائل إعلامنا الرئيسية خوف مبدئي عندما يتعلق الأمر بتغطية حروب الشرق الأوسط: أنه لا ينبغي أن يصفهم أحد أبداً بأنهم معادون للسامية. كانت هذه التهمة شديدة الأذى والشراسة ضد أي ناقد صادق لإسرائيل، حتى أن مجرد الهمس بعبارة "غير متناسب" -كما هو الحال في أي مقارنة عادية في زمن الحرب بين الوفيات العربية والإسرائيلية- كان يستدعي توجيه اتهامات للمرء بالنازية من جهة أنصار إسرائيل المفترضين. وكان التعاطف مع الفلسطينيين يجعلك تنال لقب "مؤيد للفلسطينيين"، والذي يعني، بطبيعة الحال، "المؤيد للإرهاب".أو هكذا كان واقع الحال حتى جاء أحدث حمام دم في غزة، والذي يغطيه صحفيونا بكثافة ودقة تصويرية بالغتين، حتى أن سادتنا ووسائل الإعلام لدينا أصبحوا يعانون الآن خبرة جديدة: ليس الخوف من أن يوصفوا بالمعادين للسامية، وإنما الخوف من مشاهديهم على شاشات التلفزة أو قرائهم –مواطنيهم العاديين المغضبين كثيراً بسبب جرائم الحرب التي ترتكب ضد النساء والأطفال في غزة، حتى أنهم يطالبون بمعرفة السبب. وحتى الآن، يرفض أقطاب التلفزة والسياسيون لدينا معاملة مواطنيهم ككائنات بشرية أخلاقية، محترمة وذكية.حتى الآن، وفي كل مرة يظهر فيها طفل فلسطيني آخر غارق في الدماء على الشاشة -ما يزال مذيعو الأخبار يتحدثون عن "لعبة اللوم". لعبة اللوم؟ هل يعتقدون أن ما يجري هو مجرد مباراة كرة قدم دموية؟ أم أنه مأساة دامية؟ إن الأمور تجري على النحو التالي. المدنيون يُقتلون. ويسمي الصحفيون ذلك "نيران الدبابات". (حماس ليس لديها الدبابات). وتقول إسرائيل إنها صواريخ حماس التي حدث خطأ في إطلاقها. وتقول حماس إن ذلك هو من عمل إسرائيل. وهكذا يصبح الأمر "لعبة لوم". ولا يمكن في الواقع لوم أحد فعلياً -وبالتالي يمكننا أن نتغاضى عن المسؤولية ونهز رؤوسنا يائسين من الأمر كله.في خضم ذلك، يجب علينا أيضاً نسيان حقيقة أننا فعلنا الشيء نفسه عندما قتلت القنابل الأميركية المدنيين في طرابلس في العام 1986 (تم إلقاء اللوم حينها -فيما أذكر- على "صاروخ ليبي مضاد للطائرات حدث خطأ في إطلاقه"). أو عندما أسفر هجوم شنه حلف شمال الأطلسي على حي الشعلة في بغداد عن مقتل مدنيين في العام 2003 (كان "صاروخ عراقي مضاد للطائرات أسيء إطلاقه" هو الملوم، بطبيعة الحال). وقد اتصل بي العديد من الأميركيين طالبين مني أن أشير إلى هذه النقطة، مضيفين أن تصويت مجلس الشيوخ الأميركي بنسبة 100 إلى صفر لصالح إسرائيل يبدو شبيهاً بشكل ما بنسبة 98 في المائة التي يدعي الديكتاتوريون العرب الحصول عليها للمصادقة على رئاستهم -سوى أن نسبة تصويت الولايات المتحدة، التي لا تمثل المتصلين بي، هي الرقم الحقيقي فعلاً! والآن، إليكم حجة الخروج من المأزق لنا جميعاً. نعم، إن حماس فاسدة، مثيرة للتشاؤم، ولا ترحم. ومعظم "المتحدثين باسمها" أغبياء جداً، غير متساوقين، وعرضة لتعاطي الشتائم بأعلى أصواتهم، وهم يتفوقون بكثير على مارك ريجيف اللطيف دائماً في جهده الرامي إلى تحويل العالم ضد حماس. لكن العالم يتحول ضد إسرائيل في حقيقة الأمر، كما يقول وزراء الاتحاد الأوروبي للإسرائيليين مراراً (ولو أن ذلك ما يزال يقال بلطف كما هو حاله دائماً). كما أن العالم ينقلب ضد سياسيينا وسادة وسائل الإعلام الذين يستمرون في إهانة جمهورهم.كم مرة تتوقع صحيفة نيويورك تايمز من قرائها أن يتسامحوا مع افتتاحيات مثل جهد الأسبوع الماضي الجبان؟ في تلك الافتتاحيات، قيل للقراء إنها كانت هناك "هجمات قاتلة" في غزة. ووصل مجموع القتلى (حينذاك) إلى 750 "الغالبية العظمى منهم من الفلسطينيين". ثم جاء المخرَج: هناك "اتهامات متبادلة" –من طرف إسرائيل أو حماس أو حليف لحماس- بالتسبب بالهجوم، وبالتالي، فإن "الذي يهم الآن حقاً هو العثور على طريقة ما لوقف هذه المجزرة". وإذن، أصبحت الأمور على ما يرام. إن "لعبة اللوم" تساوي "لا لوم" على الإطلاق. في فرنسا، كان هناك ما يدعو إلى السخرية في الطريقة التي استجابت بها الحكومة الفرنسية للمذبحة الجارية في غزة. أراد فرانسوا هولاند أن تقوم إسرائيل بـ"تصحيح" هدفها "قليلاً"! وانتقد عدوان حماس ورد الفعل الانتقامي الإسرائيلي. لكن نتنياهو الغاضب جاء بعد ذلك إلى قصر الإليزيه. وتغيرت النغمة. عاد هولاند إلى تكرار نفس الازمة المعتادة: "إسرائيل لها الحق في اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية شعبها". لكن أعضاء الجمعية الفرنسية أصبحوا بالغي الاشمئزاز بعد ذلك من "العقاب الجماعي" الذي يُمارَس في حق الفلسطينيين، وهو ما جعل هولاند يحث على وضع حد لـ"التصعيد" في العنف. جميل!في إيرلندا، المؤيدة تقليدياً للفلسطينيين، كانت صحيفة "آيرش تايمز" -للأسف- تعزف على الوتر نفسه الذي تعزف عليها شبيهتها في الاسم "نيويورك تايمز". وفي اليوم الذي تلا قصف إسرائيل لمدرسة تابعة للأمم المتحدة، والذي أسفر عن مقتل 19 مدنياً، نشرت الصحيفة الإيرلندية مقالاً في الصفحة الأولى، بدأ بإعلان إسرائيل عن وقف لإطلاق النار، وذهب إلى فقرة تتحدث عن تفاصيل الهدنة، ثم جاءت فقرة تقول إن حماس لم تصدر أي رد فعل -ثم، بعد كل ذلك قالت الصحيفة لقرائها إن نحو 19 شخصاً قتلوا في الهجوم. وقد انتقد قارئ تلك الصحيفة على "موازنة" صفحة رسائل القراء فيها بنشر مراسلات مصممة لجعل الفلسطينيين يبدون مذنبين مثل الإسرائيليين وبالمقدار نفسه. وقال القارئ: "إن مثل هذه اللامبالاة هي في الحقيقة نوع من اللامبالاة الأخلاقية". قال ذلك بشكل جيد. لكنه يمكن للعالم على الأقل أن يشكر الصحفيين في غزة -حتى لو أن رؤساءهم ما يزالون في حالة فرار من الحقيقة.*مراسل صحيفة "الإندبندنت" في الشرق الأوسط.*نشر هذا المقال تحت عنوان: Gaza and the Press
alaeddin1963@
Facebook Twitter طباعة Zoom IN Zoom OUT حفظ Comment › إقرا أيضاً
زيارة الموضوع الاصليغزة والصحافة
موقع قولي غير مسئول عن المحتوي المعروض، فهو مقدم من موقع اخر (سياسة الخصوصية)
كم عدد السنوات اللازمة لإزالة ركام الحرب من غزة؟ أخبار الجزيرة نت
بين أنقاض ما كان يوما مدينة نابضة بالحياة، تبرز معضلة جديدة تضاف إلى معاناة سكان قطاع غزة، حيث بات القطاع أشبه بجبال من الركام تحكي قصة دمار غير مسبوق، وتفرض إزالته تحديا صعبا على الغزيين.

أمريكا تعتقل طالب فلسطيني شارك في احتجاجات ضد الحرب على غزة مصراوى
أمريكا تعتقل طالب فلسطيني شارك في احتجاجات ضد الحرب على غزة | مصراوى

قبل وبعد.. صورة صادمة لقرية سويت بالأرض في شمال غزة سكاي نيوز عربية
سوّت القوات الإسرائيلية قرية في شمال غزة بالأرض في الأيام التي أعقبت انهيار وقف إطلاق النار الهش الذي دخل حيز التنفيذ في وقت سابق من هذا العام.

بلينكن يتحدث عن أسرع طريقة لإنهاء الحرب في غزة سكاي نيوز عربية
قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن أسرع طريقة لإنهاء الحرب في غزة بشكل دائم هي من خلال اتفاق على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
إيجابية وتقدم بمفاوضات غزة.. وتوقعات بإنجاز كافة الملفات
مع استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة بين إسرائيل وحركة حماس في قطر، خيّم تفاؤل حذر على الأوساط على ما يبدو.أجواء إيجابية وتقدمفقد أفادت
مستشفى كمال عدوان: المستشفيات في غزة أرض معركة ، ونازحون يتساءلون: أين نذهب؟ - BBC News عربي
طالب مدير منظمة الصحة العالمية بإنهاء "الهجمات على المستشفيات" في غزة، وقال تيدروس أدهانوم إن المستشفيات في غزة أصبحت مرة أخرى "أرض معركة" وإن النظام الصحي يقبع تحت "تهديد شديد".

الحرب على غزة مباشر.. الاحتلال يتكبد مزيدا من الخسائر والمقاومة تطلق صواريخ من القطاع أخبار الجزيرة نت
في اليوم الـ452 للعدوان على غزة، ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن حركة حماس نجحت أخيرا في استعادة معظم قدراتها بالسيطرة المدنية على مناطق بوسط قطاع غزة.

غزة والصحافة اخبار غزة كان هناك وقت خالط فيه سياسيينا ووسائل إعلامنا الرئيسية خوف مبدئي عندما يتعلق الأمر بتغطية حروب الشرق الأوسط: أنه لا ينبغي أن يصفهم أحد أبداً بأنهم معادون للسامية
التعليقات علي غزة والصحافة